يبدو أنّنا محظوظون بأن هلّت علينا بركات هذا الشهر بتوشيحين للشيخ طه نحصل عليهما في اليوم نفسه، والله أعلم بما يخبّئه لنا الكرماء من أصحاب المكاتب العامرة من تواشيح أخرى لهذا المنشد أو غيره.
وقد نشر الصديق مصطفى الزيني مشكوراً منذ دقائق قليلة على صفحته "عباقرة التلاوة" ضمن ما تنشره الصفحة من أشرطتها من تواشيح بمناسبة ذكرى المولد هذا التوشيح للشيخ طه، والذي سبق لنا أن استمعنا إليه في نسخة خارجية مطولة وأخرى إذاعية، وها نحن قد ظفرنا اليوم بنسخة ثالثة كُتِب ضمن بياناتها على البكرة أنها مسجلة من مسجد السيدة زينب سنة 1951، وهو ما لا أدري مدى صحته تماماً بفعل الوهن النسبي البارز على صوت الشيخ والبطانة المنهكة التي تصاحبه ممّا لم نعتده لدى الفشني تحديداً، ومع هذا فإنّ تعدُّد المناسبات التي ينشد فيها منشد واحد التوشيح نفسه تتيح لنا مزيداً من التوغل في مخيلته الارتجالية والاستمتاع بجمله الآنية التي تخطر له من وحي المكان والحضور، والفشني خير من يحسن توظيف هذه العناصر في إسماعنا جديداً في كلّ مرة يتناول فيها التوشيح نفسه، خصوصاً إذا كان في مثل هذه الحالة منتمياً إلى مقام النكريز الذي يصعب الارتجال والإبداع فيه بشكل عام لقلّة ما وصلنا من الألحان الكاملة التي صيغت منه.
تعديل: يبدو لي بعد إجراء المقارنة بين النسختين أن النسخة الجديدة هي نفسها النسخة الخارجية المشهورة والتي تلاها قسم من سريدة البرزنجي ثم توشيح "الله زاد محمدا تعظيما" إلا أن النسخة المتداولة مضغوطة الجودة أُجري عليها بعض التلاعب وحذف المقاطع وتكرارها (لعله من صوت القاهرة كعادتها قبّحها الله)، إلا أن النسخة التي رفعتها منذ قليل تفضلها جودةً مع عدم احتوائها إلّا على التوشيح.
وها أنا اليوم أرفع النسخة بأكملها من المصدر نفسه، وهي موجودة في صفحات المثبت الأولى بجودة ضعيفة، وقد اضطررت إلى ترقيع قسم من سريدة البرزنجي بقسم من ما يقابلها في نسخة صوت القاهرة التي هي عندي مشوبة ببعض الإشباع. ومع هذا، فقد تكون هذه النسخة أطول من النسخة التجارية لتكرار البطانة التوشيح الثاني عدة مرات بشكل طبيعي لا بواسطة مونتاج، وهو ما قد تكون النسخة التجارية قد اقتطعته باعتقاد أن هذا التكرار لا فائدة منه، مع ما في ذلك من تغاض عن مخيلة الفشني وعن واقع أنه لا يكرّر ما يقوله مرّتين، بل يجتهد في كل مرة للخروج بجملة جديدة مزخرفة وأجمل من أختها. وبعد أن عثرنا على الوصلة بأكملها بهذه الجودة الجيدة (ومدتها ست وعشرون دقيقة)، بات بإمكاني الجزم بأنّ التاريخ ليس 1951، فشتان بين صوت الشيخ فيها وبينه في أوّل ما وصلنا له من عهد ما بعد الملكيّة (وصلة يوم أغرّ)، وشتّان بين قوّة البطانتين، فالبطانة هنا تبدو متهالكة، ولا علاقة بأسلوب "القوالة" القديم ولا الجديد في الموضوع، وكلّ ما في الأمر أنّ أفراد البطانة قد تقدموا هم أيضاً في السن مع الفشني؛ ومع هذا فسأحتفظ بالتاريخ كما هو مكتوب على الشريط ريثما نهتدي إلى التاريخ الصحيح.