من أغرب المفارقات في ما آل إليه التّراث الغنائيّ العربيّ الشّرقيّ من مصير مزر من الانحسار والإهمال أنّ الموشّح كان (إلى جانب الدّور) أوّل القوالب الّتي أصابها الانحسار إن لم يكن الاندثارالتّامّ، إن لم يكن في مستوى أدائها وتداولها فعلى الأقلّ في مستوى إنتاج الجديد منها، والحال أنّه عماد ذلك التّراث بما يمثّله من خزانة حقيقيّة لأجناس النّغم والمقامات وضروب الإيقاعات ؛ وحسبنا أن نعلم أنّ تسعين بالمائة من الإيقاعات العربيّة الشّرقيّة لم تستعمل إلاّ في الموشّحات واختفت اليوم تقريبا بصفة نهائيّة مع اختفائها ؛ ولا تسألوا الجاهل بها مثلي ولكن اختاروا مائة من المغنّين والملحّنين والعازفين المحترفين اليوم (ومن الخيرة لا من صنّاع "الكليب") واسألوهم عن الشّنبر والمحجّر والظّرافات والمخمّس وأفيدوني كم واحدا منهم سيوفّق في الجواب... هكذا غدا أعرق قوالبنا الغنائيّة وأثراها جميعا وأصلحها لصقل الصّوت وتشرّب أصول هذا الفنّ أغيبها وأجهلها بيننا ؛ لذلك فكّرنا في أن نخصّه بهذا الموضوع المثبّت ونحاول تقديم أكبر عدد ممكن من نماذجه علّنا نعيد إليه شيئا من الاهتمام الّذي فقده وهو الأخلق به.