هذه "الوصلات" الإذاعية الأربع هي كل ما توفر على شريط الشيخ بيومي الذي أصدرته صوت القاهرة، ومدة كل منها ربع الساعة أو أقل بقليل، وجميعها تم تسجيلها في أوقات متقاربة لعلها فترة الخمسينيات، وهي تظهر للشيخ أداءً ممتازاً وصوتاً لا بأس به وتجاوباً جميلاً بينه وبين البطانة. وصوت الشيخ عبد السميع يذكرني تارة بصوت الشيخ علي محمود (الذي عمل فرداً من بطانته في بداياته) وطوراً بالشيخ الفيومي من حيث عرب الصوت والتنقلات، إلا أنه تميز هو الآخر بأداء جيد لا يقل احتراما عمّن سبقوه وعاصروه، وإن لم يكن صوته يرقى في أحيان كثيرة إلى قوة أصواتهم. والوصلات جميعها غير جديدة، فقد سبق نشرها على أكثر من موقع وقناة يوتيوب بجودات بين المتوسطة والضعيفة أو بجودة لا بأس بها في حال وصلة الحجاز كار التي أشار إليها الأستاذ أبو علاء، وجميعها بديعة تظهر للشيخ وجهاً مختلفاً عمّا عهدناه في تسجيلاته المتأخرة أو شبه المتأخرة، والتي أضمّن مشاركتي هذه واحداً منها هو لتوشيح من مقام البياتي اسمه "عش في ظلال البِشر" مسجل من مسجد الحسين رفعته قناة مزامير أرض الكنانة هذا الشهر بجودة عالية ليتسنى لكم الحكم على صوت الرجل بموضوعية، مع العلم أن هذا التسجيل تم في فترة متأخرة من حياته أيام كان صوته قد وصل إلى درجة كبيرة من التردي كما حصل مع الفشني في العقد الأخير من حياته، وسأنزه مسامعكم عن رفع تسجيلاته الأكثر تأخرا في أيامه الأخيرة (مثل آخر ما قدمه من إنشاد قبيل وفاته) لأنها بالفعل منفرة بل ومقززة.
خلاصة القول أن عبد السميع بيومي منشد عظيم في اعتقادي، إلا أن الإذاعة لم تعطه حقه من تسليط الضوء ولم تسجل له تسجيلات بجودات يمكن للمرء الاستماع إليها إلا بعد تقدمه في السن وشيخوخة صوته ومرضه، تماماً كما حصل مع الشيخ رفعت، وبهذا فقد يكون في حكمنا على صوته بعض الإجحاف بحقه لأننا لم نستمع إليه في أوج عطائه ولن نكون قادرين على رسم صورة واضحة المعالم لأدائه ومقدرته الصوتية في شبابه، وما هذه الوصلات الإذاعية الأربع إلا محاولة لنفض الغبار عن صوته في تلك المرحلة وعرضه لكم في تسجيلات عالية الجودة يمكن للمرء إبداء رأيه في محتواها بموضوعية وإنزال صاحبها المنزلة التي يستحقّ بين منشدي جيله؛ أما التسجيل الخارجي، فهو لم يعجبني شخصيا بشكل كبير، إلا أنني ارتأيت رفعه لأوضح مقصدي من تحول الأصوات بمثال عملي، ولكون جلّ تسجيلات الرجل سواء في شبابه أو في شيخوخته بجودة تقنية بالغة السوء، مع العلم أنه ولد سنة 1905 وتوفي سنة 1981، أي أنه عاش فترة تقدم تقنيات التسجيل؛ ومع هذا فإن بعضاً من تسجيلاته المتداولة تكاد تكون أسوأ من تسجيلات الشيخ علي محمود الذي كانت وسائل التسجيل في عهده بالغة البدائية مقارنة بما تبعها.
أمّا الوصلات الأربع، فهي:
- وصلة حجاز كار: قصيدة "نبي الهدى أشرق بروحي وخاطري" وتوشيح "بدرٌ من العليا أطل على الورى".
- وصلة راست: قصيدة تبارك الله في علياء عزته وتوشيح "يا نشوة البيد من للخير ناداها"، وقد نُسِبت منه القصيدة خطأً إلى الشيخ علي محمود في معظم المواقع بتسجيل منقول من الموجات القصيرة لم يكن يسمح بالتعرف بشكل جيد على صاحب الصوت، وإن كنت قد استبعدت في نفسي أن يكون صاحب الصوت هو الشيخ علي عندما استمعت إليها في ذاك التسجيل.
- وصلة صبا (وقد تكون أحب الأربع إلي): قصيدة "يا أسعد الخلق هذا الكون أجمعه يرنو إليك" وتوشيح "شوقٌ تغنّى بالفؤاد وطال"
- وصلة راست لا تواشيح فيها، وفيها قصيدتان مرسلتان "يا من يُرَجّى في القيامة" (والتي أنشدها الفيومي أيضا على شكل قصيدة مرسلة) و"يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك" (وهي الأخرى أنشدها الفيومي وتجدونها في مواضيعه بالمنتدى).