منذ بضعة أسابيع جمعتني المقادير واستضافة كريمة من الشّيخ خالد آل ثاني بفيينا حيث أقيم بأخوين عزيزين من أعضاء المنتدى، أوّلهما عرفته منذ ما يقارب الثّماني سنوات حين اكتشافي المنتدى الّذي يحمل اسمه المستعار ولم يتح لي ملاقاته قبل هذه المناسبة، وهو الأخ أحمد الصّالحي-زرياب، وقد سررت أيّما سرور بالتّعرّف عليه أخيرا "لحما ودما" ؛ أمّا الثّاني، وهو الأخ طارق بشير، فهو عضو منذ فترة غير قصيرة، ومع ذلك لم يغد من أسماء المنتدى المعروفة ربّما بسبب طبعه الخجول فيما بدا لي كما بدت لي منه سماحة وطيبة، وهو مع ذلك يتابع كلّ ما يطرح في المنتدى من موادّ ويثار من مواضيع.
وفيما عدا مسرّة اللّقاء والصّحبة استمعت إلى شيء من عزف الرّجلين وغناء الأخير، وأردت أن أسمعكم نتفة ممّا سمعت وأسوق بعض الملاحظات السّريعة.
يتضمّن الملفّ المرفوع جزءا من وصلة في مقام البياتي ضمّ تقسيما على الكمان لزرياب ومقدّمة موسيقيّة تشبه التّحميلة لا أعرفها إلاّ أنّها تبدو تركيّة (كتب زرياب أنّ اسمها - أو اسم صاحبها - شيشين كيزي) ثمّ ليال وموّال محمّد عبد الوهاب المعروف قلبي غدر بي على قلبي استعنت اللّه من غناء طارق بشير.
ما لفت نظري في العزف بالخصوص هو تقدّم أحمد الواضح في التّمكّن من تقنية الكمان لا سيّما التّقسيم، وقد استحسنت تقسيمه الاستهلاليّ كثيرا. أمّا عن الغناء فإنّ صوت طارق يذكّرني صوت مصطفى سعيد مع تفوّقه عليه من حيث كثافة الصّوت ومساحته لا سيّما من حيث "العرض" أو قابليّة الانبساط ممّا لم يبلغ بعد قصاراه بسبب قلّة الدّربة، كما أعجبتني رصانته الواضحة وأناته ؛ إلاّ أنّ طارقا على طرف نقيض مع المصطفى من حيث سعة الثّقافة النّغميّة والغنائيّة ومن حيث المِران وفقر الأولى وانعدام الثّاني أو ما كاد يكون كذلك عند الأوّل، وهو ما أعجز عن استيعابه ناهيكم عن تفسيره في حال شابّ متعلّم نبيه مهتمّ بهذا الشّأن، وما لا يستقيم على أيّ حال لمن أراد ممارسة الغناء ولو على سبيل الهواية لا المهنة (وطارق مهندس معماريّ لا حاجة له إلى الاتزاق من الغناء) بقدر من الجدّيّة ؛ وقد عرضت هذا الرّأي على طارق قبل أن أكتبه هنا وقبله منّي بصدر رحب ودماثة نادرين، ولا أحسب أنّه سينزعج من تأكيده كتابة بعد إذ أذن لي هو وأحمد برفع العيّنة الّتي أشاء من تسجيلات فيينّا.